maganeno مشرفة قسم هل تعلم
sms :
رضيت بحكمك يا رب والصبر بزيادة
ظلمونى من غير ذنب حسدونى بزيادة
عدد المساهمات : 819 التقييم : 1 تاريخ التسجيل : 07/08/2011 الموقع : www.mbenh,yoo7.com
| موضوع: حكاية من زمن العهد البائس الخميس سبتمبر 22, 2011 1:05 am | |
| حكاية من زمن العهد البائس م. محمد حسن فقيه[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] كنت الجامع المشترك بينهما ونقطة اللقاء عندي من غير ترتيب أو موعد مسبق في بداية التسعينات من القرن المنصرم . أما صديقي الأول الذي فرضت عليه الغربة والتهجير القسري ، فكان مدرسا لمادة اللغة الإنجليزية في ثانويات صنعاء باليمن وهو في أصله من قرية قريبة لبلدتنا وتتبع لها ، وأما الصديق الآخر فهو مدرس لمادة الفيزياء يعمل أيضا في ثانويات ريف صنعاء ، وهو من بلدتي ومعرفتي به قديمة وكان يأتي نهاية كل أسبوع إلى صنعاء بسيارته الجبلية العتيدة ليتسوق حاجياته الضرورية للأسبوع القادم ، فيعرج عندي لنسمر قليلا ويتحفني ببعض ألأخبار عن البلدة وأحوالها ، فهورجل لم يهجر قسريا وإنما أجبر على الإغتراب طوعيا بسبب أوضاع البلد الإقتصادية المتردية ، وعدم موافقة الدولة لتثبيته كمدرس في سلك وزارة التربية والتعليم كونه لم يتشرف بالانتساب إلى حزب البعث القائد للأمة والمجتمع ! قمت بواجبي بتعريف صديقيّ كل منهما إلى الأخر ، واكتشف صديقي ( المغترب ) أنه على معرفة وصداقة مع أخ الضيف ( المهجر قسريا ) ، حيث كانا زملاء في الثانوية يدرسان معا ، والذي قد أنهى بدوره دراسات عليا ( ماجستير في اللغة العربية ) ، ومازال داخل الوطن الحبيب يكافح بماجستيره ليؤمن لقمة أطفاله ، لأنه منع أمنيا من السفر وجواز السفروجميع الحقوق السياسية ... والانسانية ، بسبب أخيه – هذا - المهجر قسريا . ساءت الأوضاع الإقتصادية وتغيرت الأمور في اليمن في أواسط التسعينات بعد حرب الوحدة ضد التشطير بين شمال اليمن وجنوبه عام 1994، فتفرقنا نحن الثلاثة بعد ذلك ، فقد ترك صديقنا السوري المغترب اليمن ، ليتعاقد كمدرس في السعودية ، وأما صديقي المهجر والمغترب قسريا فقد سهل الله له بعد ذلك ليسافر للإمارات ويتعاقد مع مدرسة خاصة ، تبقى أحسن حالا من وضعه السابق بعد أزمة اليمن الإقتصادية ، أما أنا فقد كنت أخرهم مغادرة إلى الأردن ومنها إلى قطر، حيث كنت أعمل استشاريا في شركة تصميم ودراسات واستشارات هندسية لمشاريع نوعية ومعتبرة نسبيا في صنعاء . كنت أيضا حلقة وصل بينهما بعد ذلك وأنقل تحيات كل منهما للآخرغير أنهما لم يلتقيا معا بعد مغادرتهما اليمن ، فكان صاحبنا المغترب يمر بطريقه من عمّان خلال سفره إلى السعودية ليعرج عليّ قليلا ، فيمكث يوما أو يومين ثم يتابع سفره إلى السعودية ، وكان صديقي المهجر يقضي بعض إجازاته الصيفية في عمّان هربا من حرّ الجو ورطوبته في الخليج ، فكان يزورني ونلتقي معا بصحبة الآخرين ونسمر جمعا . في أول لقاء جمعني مع صديقي المغترب في الأردن كان بعد خمس سنوات من آخر لقاءات اليمن حيث كان أول المسافرين من اليمن وكنت آخرهم . روى لي صديقي طرفة حدثت بينه وبين أخ صديقي المهجر صاحب ماجستير اللغة العربية المقيم في سورية . قال صديقي : بعد أن أنهيت عقدي وغادرت اليمن إلى وطني الحبيب سورية ، وبينما كنت أتجول في سوق المدينة الأسبوعي ( البازار ) وإذ بي ألتقي وجها لوجه مع صديقي ( ماجستير اللغة العربية ) ، حيث كما تعلم أن البازار سوق كبير يرده الناس من حول البلدة من جميع القرى والبلدات المحيطة بقطر لا يقل عن مائة كيلو متر ، فطار خيالي مباشرة إلى لقائي مع أخيه المهجرعندنا في صنعاء وقلت في نفسي يا لها من مفاجإة سعيدة أبشره عن لقائي بأخيه ورؤيتي له وأطمئنه عن أوضاعه وأحواله وأخباره ، وللعلم لم يكن تلك الأيام هاتف الموبايل موجودا ، وحتى الاتصالات المباشرة على التلفون الأرضي كانت ضيقة ومحدودة عدا كون الخطوط خاصة الخارجية منها مراقبة ، وعلى حكاية صاحبنا المهجّر يومها لم يكن أحد من أهله يعلم عنه شيئا إطلاقا بحسب روايته ! لا يعلمون أين هو وماذا يعمل ، ولا يعلمون عن زواجه وعدد أولاده ، بل لا يعمون حتى هل هو في عداد الأحياء أم الأموات ّ! ! ! . همست في ذاتي يا لها من مفاجأة سارّة سأزفّها إليه ، وأقدمها له على جرعات حتى يتمالك نفسه ولا يصاب بغيبوبة من هول المفاجأة ! . بعد أن رحبت به وأخذنا بعضنا بالأحضان وتنحينا جانبا من وسط الشارع بحذاء صناديق وأكوام الخضار والفواكه التي فرشت على جانب الشارع العام . نظرت في عينيه مبتسما وأنا أقول : لك عندي خبر سارّ ... ومفاجئ ، فاضبط أعصابك ... رفع بصره إلى وجهي ينتظر خروج هذا الخبر السار من بين شفتي ليستقبله ـ وهو يهز برأسه كأنما يوجه لي الإشارة بإذاعة الخبر فهو على أتم الاستعداد لسماعه ، عندها حاولت أن أبطئ عليه في نشر الخبرعله يحثني على السرعة أو أدعه يتشوق أكثر متلهفا على سماع الخبر والمفاجأة ... وأخيرا ظننت نفسي أني قد نطقت الجوهرة وألقيت بالدرة النفيسة بين يديه ، وأنا أقول : لقد رأيت أخاك المهجر في اليمن من أشهر قليلة ... ثم استأنفت ... أطمئنك عنه إنه بخير وصحة جيدة ... توقعته أن يرمي بنفسه عليّ يعانقني شاكرا ، أو يسحبني من يدي لأقرب مطعم أومحل حلويات على الأقل ... إلا أنه بقي صامتا لم يتفوه بحرف واحد وقد امتقع لونه وتخشب جسمه وتحجرت نظراته ، فخجلت من نفسي وظننت أنه ربما لم يسمعني جيدا ، أعدت الخبر على مسامعه مرة ثانية ، أشاح بوجهه عني جهة صناديق وأكوام الخضار والفواكه ثم نطق أخيرا وهو ينحني باتجاه أكوام الخضار ويقول : أظن أن هذا الخيار ممتاز ... فهو يبدو صغيرا... وناعما ... وطازجا ... ألا تريد مشاركتي في شراء البعض منه ! ! صعقت لهول المفاجأة ... ابتعدت عنه دون أن ألقي عليه التحية من فرط دهشتي ، وسرت هائما في طريقي مبتعدا عنه وأنا أحدث نفسي وأحرك بيدي ، وغير مصدق لما حدث معي كأنني في حلم . علمت حينها صدق أخيه عندما أخبرني بأنه لم يتصل بأهله أو يتصلوا به من أكثر من عشر سنوات . بل أيقنت تماما بعد ذلك بأنهم فعلا لا يعرفون عنه شيئا بسبب الرعب والذعر الذي حلّ بعائلته من قبل أجهزة الأمن الذين اعتقلوا أخاه ( ماجستير اللغة العربية – صاحب الخيار الطازج ! ) بسببه أكثر من ثلاث سنوات كرهينة عند الأجهزة الأمنية ، ذاق فيها الرجل الويلات والفظائع من التعذيب المريع في الزنازين وأقبية السجون ، قبل أن يخرج بعاهات جسدية وعقد نفسية دائمة ، تذكره بشكل دائم بتلك السنوات العجاف التي اغتالها من زهرة شبابه وربيع عمره ، هذا النظام ... البائس ... والبائد ! . | |
|