maganeno مشرفة قسم هل تعلم
sms :
رضيت بحكمك يا رب والصبر بزيادة
ظلمونى من غير ذنب حسدونى بزيادة
عدد المساهمات : 819 التقييم : 1 تاريخ التسجيل : 07/08/2011 الموقع : www.mbenh,yoo7.com
| موضوع: جمال عبد الناصر.. هل نعرفه حقا؟ الثلاثاء أكتوبر 04, 2011 5:12 pm | |
| [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] جمال عبد الناصر حسين سلطان علي عبد النبي.. كم تمنيت أن أكتب عنك أو أحكي للآخرين عما عرفته عنك طوال عمري، أنا لم أكن واحدة ممن استمعت لخطبك الرائعة. أو انتحبوا حينما رحلت، ولكنني ترعرعت وتربيت في بيت لا يتذكر أفضل منك قائدا عاش بمصر ومات وخزانته خاوية، فأصبحت أنت أمامي ومنذ نعومة أظفاري رجلا عرفته مصر ولن تنساه.
ولكن فلتسمح لي أن نذهب سويا إلى رحلة البحث عنك وعن بداياتك وحياتك حتى يوم وفاتك، اليوم الذي غنّى فيه المصريون أنشودة وداعك بدموعهم. وُلِدت بالإسكندرية يوم 15 يناير 1918 ولك أصول صعيدية.. كانت بك حمية الرجل الغيور المهتم بعادات وتقاليد المجتمع المصري العريق، وكان أبوك قد انتقل من قريته "بني مرّ" بمحافظة أسيوط ليعمل بالإسكندرية، وقد تزوّج من والدتك السيدة فهيمة، وعاشا معا في شارع الدكتور قنواتي بحي فلمنج بالإسكندرية، ولكنه بات الآن متحفا يضم مقتنياتك.
توفيت والدتك وأنت في الثامنة من عمرك ولم يبلغك أحد بالخبر، ولكنك عرفت وصدمت وظللت حزينا لسنوات، وانتقلت وإخوتك للعيش مع عمك خليل بالقاهرة، ودرست بمدرسة النحاسين الابتدائية بالقاهرة، ثم أصبحت تتنقل من الإسكندرية إلى القاهرة تتلقى عاما دراسيا هنا وآخر هناك حتى استقررت بمدرسة رأس التين الثانوية بالإسكندرية، وفي تلك المدرسة تشكّل وجدانك القومي؛ لأنه في هذا العام خرج الطلبة في تظاهرات يطالبون باستعادة دستور 1923. أتذكر مرة قرأت فيها عن شعورك تجاه هذه التظاهرة؛ لأنها كانت التجربة الأولى لك في التظاهر، تظاهرت فيها دون أن تعرف أكثر من أنها كانت ضد السلطة، ولكنك لم تكن تعلم أنها كانت للاعتراض على سياسة الحكومة، وخرجت وقتها وكنت مشحونا غاضبا، وكان كل ما يدور بذهنك هو أنك نطقت باسم الحرية والكرامة.
انتقلت مرة أخرى إلى مدرسة النهضة الثانوية بحي الظاهر بالقاهرة، ولكن كانت السياسة قد شغلت كل وقتك، وبعد حصولك على "البكالوريا" -كما كانوا يسمونها وقتها- التحقت بالكلية الحربية واجتزت اختبار الكشف الطبي، ولكنك لم تتخطّ اختبار كشف الهيئة؛ لأنك ببساطة حفيد فلاح وابن موظف، ولأنك لا تملك وساطة، فالتحقت بكلية الحقوق.
وشاء القدر أن تُقبل بعد ذلك بالكلية الحربية؛ لأن الجيش المصري كان في احتياج للعديد من ضباط الجيش المصري من الشباب بصرف النظر عن طبقتهم، وتخرجت بعد 17 شهرا؛ لأنهم استعجلوا تخريج هذه الدفعة لحاجتهم لمزيد من الضباط بقناة السويس، وبعد تخرجك نقلت إلى سلاح المشاة بالصعيد ثم للسودان، وتوجهت بفكرك لإصلاح الجيش المصري هذا الجيش الذي حوّلته من جيش يتحدث عن النساء إلى جيش يتحدث عن التضحية والاستعداد لبذل النفوس في سبيل الكرامة.
تمت ترقيتك بعدها إلى رتبة اليوزباشي (نقيب) بعام ١٩٤2 وعُينت مدرساً بالكلية الحربية. سيدي.. كنت زوجا لسيدة عظيمة تزوجت من السيدة تحية محمد كاظم عام 1944 هل تتذكر كيف تعرفت عليها؟ هناك في الإسكندرية.. عن طريق عمك، والحقيقة أنها قد لعبت في حياتك دورا مهما قبل أن تحكم مصر وبعدها، وخاصة في مرحلة الإعداد للثورة واستكمال خلايا تنظيم الضباط الأحرار؛ فقد تحمّلت هي أعباء أسرتك عندما كنت في حرب فلسطين 1948 وساعدتك في إخفاء السلاح حين كنت تدرب الفدائيين المصريين للعمل ضد القاعدة البريطانية في قناة السويس عام 1951 و 1952.
عاشت زوجتك يا سيدي طوال الـ18 عاما (فترة رئاستك) وهي بجوارك، تراك زوجها الحبيب، ولم تكن تنظر إليك كرئيس الجمهورية، أو تنظر لنفسها نظرة حرم الرئيس، عاشت زوجتك تحفر ذكرياتها معك في قلبها، رفضت أن ترويها للورق أو تعرف بها الأقلام، دائما ما تذكر زوجتك في ذكرى وفاتك أنها كانت تتلقى التحية ممن يقابلها وتقول إنها تحية لك أنت، وأي تقدير تلقاه هو في الحقيقة تقدير لك أنت.
قلقت عليك زوجتك كثيرا إبان ثورة 23 يوليو والتي لم تبلغها بميعادها بل علمت كباقي المصريين بحدوثها، وكذلك كان الأمر في كل شيء آخر يخص الثورة، فقد كانت حياتك السياسية ملكا لك وحدك، وبينما هي لم تكن تعلم بالقرارات والأحداث إلا من خلال الجرائد والإذاعات.
سعدت كثيرا بجريدتك التي أصدرتها (جريدة الجمهورية) ودائما ما تذكرت أنك سلّمتها العدد الأول وأنت سعيد، وطالما عرفت طريقة كتابتك والتي كانت تصدر تحت اسم الرئيس الراحل أنور السادات. حكيت السيدة تحية عن خجلك وتواضعك حينما دعاك ملك اليونان لزيارته، ورفضت أن ترتدي الملابس الرسمية أو أن تسمح للملكة أن تتأبط ذراعك من فرط خجلك، وكذلك رفضا منك لأي مظهر من مظاهر الترف والبذخ والهدايا أيا كان نوعها، وحتى حينما كنت تتلقى سيارات وطائرات خاصة على سبيل الهدية من ملوك ورؤساء الدول الأخرى كنت تهبها الدولة، ولم تترك بعد وفاتك إلا سيارتك السوداء التي اشتريتها بمالك الخاص عام 1949. (لاحظ التاريخ).
هل تعرف أن زوجتك قالت فيما بعد أنها طلبت منك أن تزور ابنها عبد الحميد؟ وكان وقتها طالبا بالكلية البحرية، وكان وقتها بليبيا نظرا لظروف الحرب، إلا أنك قلت لها: "لو سافرت لزيارة ابنك يصبح من حق كل أمهات الطلاب السفر معك على نفس الطائرة".
اعتصرها الألم عندما وقعت نكسة يونيو، ووقت أن ألقيت خطاب التنحي شاهدتك وقلبها يفيض حزنا، وظلت تبكي، وحينما عدت لبيتك تماسكت وكفّت عن البكاء واحترمت صمتك وعزلتك، ظلّت ليلتها متيقظة حتى الصباح.. خرجت أنت لتجلس مع أولادك لا تعرف ماذا تحمل لك الساعات القادمة، لم يقطع هذا الصمت سوى صوتها تقول: "إحنا معاك على الحلوة والمرة يا جمال"، وبعدها بلحظات حاصرت بيتك مظاهرات وهتافات المصريين جميعهم يكررون ما قالته زوجتك ويطالبونك بالعودة.
حينما توفيت خلقت زوجتك لنفسها فلسفتها ومنطقها الخاص، وهي تدرك أنك قمت بثورة وعرّضت حياتك وحياة أسرتك للخطر من أجل المصريين البسطاء.. من أجل الفلاحين والعمال والفقراء.. من أجل كل هؤلاء الذين نُهبت أموالهم وثرواتهم، واستُعبدوا على مدى عقود طويلة من الزمن.. وحتى قبل وفاتها أوصت بتسليم منزلها للدولة بعد وفاتها؛ حتى لا يكون للمصريين دَين في رقبتك رغم أن المنزل كان من حقها وحقك أنت وأبنائكما..
ظلت زوجتك (حرم الرئيس) -كما كانت تحب أن تحمل هذا اللقب- وعاشت تعي أنها ساهمت في صناعة تاريخك وتاريخ أمة، كانت هي شريكة دربك ورحلة كفاحك وحياتك، كانت امرأة بسيطة توفيت بعد مماتك بـ22 عاما أخلصت خلالها أيما إخلاص لاسم زعيم الأمة العربية، وأوصت أن تُدفن بجوارك.. وقد كان. أنشودة الوداع ظللت رائدا وزعيما ولكنك بدأت رحلة المرض مبكرا، فبدأت شكواك بألم الساقين، وهو ما تبيّن أنه تصلّب في بعض شرايين ساقيك، فكنت تتألم إذا وقفت لأكثر من ربع ساعة، مستعينا بمتخصص لتدليك ساقيك ولم يكن أحد يعلم بهذا الأمر، فكم من الساعات وقفت متحملا آلامك من أجل هذا البلد؟
لم يكن أحد ليعرف أنك مريض بالسكري وضغط الدم وانسداد الشريان التاجي منذ أن بلغت الثلاثين من عمرك، ولكنك لم تكن لتستمع إلى نصائح الأطباء بالراحة؛ لأن البلد كان بحاجة إليك، كنت قادرا فقط على الصمود بجسدك وعقلك إلى أن توقف قلبك حتى قُضي الأمر.
هذا ما ذكره د. الصاوي محمود حبيب -طبيبك الخاص- والذي أعلن عن وفاتك في الساعة السادسة والربع من مساء مثل هذا اليوم.. يوم 28 سبتمبر من العام 1970 إثر أزمة قلبية حادة.. عشت عملاقا ورحلت عملاقا عن عمر 52 عاما بعد 18 عاماً قضيتها رئيسا لمصر، ولا تملك بجيبك سوى 84 جنيها فقط لا غير؛ لأنك حكمت دون أن تسرق.. دون أن تنهب.
لا يمكن أن يُمحى هذا اليوم من ذاكرة القلوب والعقول، فقد استيقظ الشعب المصري أجمعه والعالم العربي على صوت الرئيس الراحل أنور السادات وهو يعلن عن فقدانك، واختلطت بها هتافات الوداع "يا جمال يا حبيب الملايين.. ماشيين في طريقك مش ناسيين" وهي تُشيّع جثمانك إلى مثواه الأخير. هذا هو ناصري أنا.. ناصري الذي حلمت به ولم أره.. رحمك الله يا زعيم الملايين ويا حبيب الشعوب العربية.. | |
|